ضمن هذا المسار المعرفي الذي طرحنا فيه أسئلة وجودية حول أصل الكون والحياة، بيّنا الشكّ العلمي بتصوّر الفراغ الكوني/ الفضاء، بعد إبطال الرواية الأمريكية حول غزوة القمر، وقلنا إنّ ذلك يفتح باب الشكّ بحشد من الإجابات العلمية. وعلى طريق استكمال الموضوع، كشفنا في المقال السابق عينة من خزعبلات «ناسا» في تضليل البشرية بقضية الاحتباس الحراري عبر شهادات علماء غربيين، لنبرز فيه أنّ الكذب لا يستحيل عليها ولا غيرها، وهو ما يمهد الطريق لنتابع هنا بحث السؤال عنوان المقال.
إذا كان القارئ ما زال مصرّاً على عقيدة التسليم بالأطروحات العلمية، فلربّما يجد هذا المقال نوعاً من «التجديف» العلمي، ولن يفتح أمامه عينه ولا عقله؛ إذ من المتوقع أنّ كثيراً من القرّاء «والمهندسين وحملة الدكتوراه…» لم يسمعوا يوماً عن تجارب علمية مسجّلة تسجيلاً مرئيّاً تُبطل إمكانية التحليق في الفراغ على طائرة صغيرة في حجرة مفرغة من الهواء؟ ولم يعلموا أنّ مَن يجري تلك التجارب «كفّار» من بيئة الغرب، وليسوا مسلمين مدفوعين بعقدة النقص أمام التقدّم العلمي الغربي، كما يحلو للبعض اتهام كلّ مَن يحاول أن يخرج من الصندوق العلمي الغربي!
نعم، على الرغم من كون موضوع التشكيك العلمي بإمكانية الرحلات في الفضاء يبدو صارخاً للوهلة الأوّلى، فإنّ معقولية هذا البحث تزداد بروزاً بعدما أنكر الروس إمكانية اختراق الصاروخ الأمريكي «ساتورن» الفضاء في رحلات أبولو، بل حديثهم عن سقوط الكبسولة الفضائية في جُزر الأزور وليس فوق القمر، كما ذكرنا في مقال سابق، وكما برز في العنوان الساخر لحلقة برنامج رحلة في الذاكرة: «صاروخ (ساتورن) السحري الذي خرق قوانين الفيزياء!» (آذار 2018)... فإذا كذَبَت ناسا أوّلاً، فلا يستحيل عليها (عقلاً!) أن تُضَلّل ثانياً وثالثاً، لا هي ولا أخواتها من وكالات الفضاء الأُخرى - ومنها الروسية أيضاً - حول أي رحلات فضائية لاحقة!
ومن ثمّ فإنّ التشكيك العلمي بالتحليق في الفضاء - كحيز كوني بلا غازات - أمر قابل للبحث العلمي والدحض (Falsifiable)، وسأكتفي هنا بتوضيح مشروعية الشكّ دون الحرص على الإنكار، لأدخل بعده في نقض المشهد العلمي للوجود، وخلفياته الثقافية.
إذ ثمة نقاش علمي جاد يطرح الاستحالة الفنية - العلمية للتحليق في الفضاء على أساس قوانين نيوتن للمقذوفات، إذ إنّ رد الفعل لانبعاث الغازات من الصاروخ المحلّق تتطلب مواجهة وسط مادّي لحدوثها، وليس ثمة من ردة فعل في الفراغ لاستمرار مسيرة الصاروخ. وهو ما يبدو صادماً لمن يعيش داخل الصندوق!
وفي هذا السياق، هنالك تسجيلان مرئيان صارخان لتجربتين علميتين تكشفان هذه المعضلة، لابدّ للقارئ أن يشاهدهما قبل اتّخاذ أي موقف: واحدة تُثبت توقّف تحليق طائرة صغيرة «مثل طائرة التصوير يُتحكم فيها عبر الريموت» في غرفة بعد تفريغها من الهواء، ثمّ استعادة إمكانية التحليق بعد إعادة ملء الغرفة بالهواء.
أمّا التجربة الثانية فقد حُشرت فيها مجموعة من الذباب في غرفة مملوءة بالهواء ومعها قطعة معدنية، حركها الباحث عبر مغناطيس للتحرش بالذباب ودفعه للطيران داخل الغرفة، وظل الذباب يتطاير طالما ظلّت الغرفة ممتلئة بالهواء، ولكنّه فَقَد القدرة على الطيران عند تفريغ الغرفة من الهواء، رغم التحرش به عبر القطعة المتحركة. ومع أنّه يمكن للبعض تفسير توقف طيران الذباب في الفراغ لأنّه أثر على نظامه الحيوي، ولكن اللافت أنّ الذباب عاد للطيران بعد إعادة الضغط للغرفة.
تنقض هاتان التجربتان بالحسّ إمكانية التحليق في الفضاء! فهل تدفعان للتفكير والتحليل وإعادة النظر عبر أساس ميكانيكاً الموائع وهندسة حركة المعلّقات؟
إنّ مبدأ التحليق ضمن وسط غازي قائم أساساً على تكوين فرق في الضغط بين طرفي الجسم المحلق: بحيث يكون الضغط أسفل الجسم المحلق «عبر نفث الغازات» أعلى من الضغط فوقه، فتنتج قوّة الدفع، التي تتغلب على كافة القوى الأُخرى، وتنتج «ردة الفعل» للتحليق «كما يحدث عند تحليق الطائرات والصواريخ في الجوّ».
وفي هذا السياق العلمي، يحتاج القارئ إلى معرفة عامّة حول حسابات سرعة هبوط جسم أو صعوده في مائع معين، ممّا يدرسه كثير من طلبة الهندسة، وخصوصاً في مجال تكنولوجيا المعلقات والموائع «ممّا درّسته لطلبتي». وهنا تحسب جميع القوى المؤثّرة وهي:
1) قوّة الجاذبية التي تنطبق على الأجسام المعلّقة ضمن نطاق الأرض، وهذه غير موجودة في الفضاء الذي تجاوز حد الجاذبية.
2) قوّة الطفو (buoyancy force) الناتجة عن فرق الكثافة بين الجسم المعلّق والمائع الذي يوجد وهي مرتبطة بالجاذبية أيضاً، وهذا الأمر غير موجود في الفراغ الذي لا كثافة له، ولا جاذبية فيه.
3) قوّة الاحتكاك وهي غير موجودة في الفراغ، إذ ليس ثمة جزئيات مادّية لتصطدم بسطح الجسم المتحرك كعائق للحركة.
4) قوّة الدفع الناتجة عن الفرق في الضغط ما بين أسفل الجسم المتحرك والضغط أعلاه، ممّا يؤدِّي إلى تحرك الجسم في اتجاه الضغط المنخفض، وهي التي تُنشئ الحركة. وهنا سؤال علمي قد يؤسّس لمعضلة: كيف يمكن أن ينشأ ضغط يدفع المركبة وهي تنفث الغازات في الفراغ الذي يتلاشى فيه الضغط مع تلاشي الغازات المنبعثة منها؟
ومن المعروف في علم الديناميكا أنّ احتساب محصلة هذه القوى تنتج قوّة تُسبب التسارع أو التباطؤ، أو تؤدِّي إلى السير في سرعة ثابتة بلا توقف إذا كانت المحصلة صفراً «الاتّزان الديناميكي».
وأمام هذه الحقيقة الديناميكية، ينشأ سؤال علمي قد يصعق ذهن المفكر أو المهندس: أي تسارع أو تباطؤ للمركبة يمكن أن يحدث في الفراغ مع انعدام أي قوّة كما ذكرنا أعلاه؟ إذ في التحليق «المدعى!» في الفضاء لا يوجد أي من القوى المذكورة.
وإذا كان ثمة شبهةٌ للحركة نتيجة تدفق الغازات النفّاثة من مؤخرة المركبة الفضائية، فإنّها تصطدم بمعضلة تلاشي الغازات في الفراغ دون أن تُحدث منطقة للضغط العالي لتؤدِّي إلى دفع المركبة، لأنّ الضغط خلفها يظل صفراً بسبب الفراغ.
إنّ قوانين الحركة الديناميكية في الغازات، تنفي وجود قوى تنتج الحركة في الفراغ، وهذا ما يفسّر التجربتين المشار إليهما أعلاه، إذ لم تتحرك الطائرة الصغيرة في غرفة الفراغ، ولا الذباب. وهناك تسجيلات مرئية أُخرى تبطل مبدأ الانطلاق والزخم من نفث الغازات في الفرغ، لا يتسع المجال لعرضها. وبالمناسبة، لم أعلق هنا عن فعالية الاحتراق وتوفير الأوكسجين اللازم للاحتراق في الفراغ، إذ ثمة من يجيب علميّاً عن هذه الجوانب.
لنَقَل إنّ هذه الدلائل العلمية تفتح المجال للشك العلمي إن لم توصل لإنكار المعراج الصاروخي في السماء، إذ إنّ البعض يحاول عرض تجارب أُخرى في اتجاه مناقض، مثل تصوير يبيّن وجود قوّة للحركة من نفث الغازات في الفراغ، كما في تسجيل مرئي لتجربة انطلاق بالون «منفوخ بالهواء» يندفع في الفراغ بنفث الغاز منه، ولكنّ الباحث فيها يتجاهل تراكم الغاز في غرفة الفراغ «المحصورة» بعد انبعاثه من البالون فلا يظل «فراغاً!».
وإذا كانت إمكانية التحليق في الفراغ محل شكّ فقط، فإنّ السؤال الأبرز هو حول إمكانية توجيه المركبة في الفراغ، إذ ما القوّة التي يمكن أن تضبطها ضمن المسار المحدّد بلا وسط محيط؟! ثمّ كيف يمكن جعل المركبة الفضائية تتباطأ بالفضاء عندما تصل للهدف الفضائي المنشود أو تريد الهبوط بلا احتكاك ولا ضغط محيط؟
ولذلك، إذا ما افترضنا تمكّن صاروخ «فضائي» من الإفلات من الغلاف الجوي «المتصوّر»، والوصول إلى الفراغ المتصوّر «نظريّاً رغم الشكّ فيه»، فإنّه مع انعدام أي قوى مؤثّرة عليه يتوجب أن يسير في سرعة ثابتة دون توقّف، لأنّ محصلة القوى المؤثّرة عليه تصبح صفراً، ولا يوجد عندها ما يغير سرعته، بل ولا حاجة لدفعه للتغلّب على قوى غير موجودة.
وقد يرى البعض أنّ نفث الغازات بعكس اتجاه حركتها يؤدِّي إلى تباطؤها، وهذا يعيدنا إلى مربع الشكّ الأوّل من حيث النفث في الفراغ الذي لا ينتج ضغطاً معيقاً للحركة.
إذن ربّما تكون هنالك معضلتان حول التحليق في الفراغ، واحدة تتعلق بالدفع، والأُخرى تتعلّق بالتوجيه ضمن مسار محدّد، أو التباطؤ للتوقف.
والأهم من ذلك كلّه أنّ الأمريكان قالوا إنّهم حلّقوا في الفراغ قبل أن يكتشفوا السلوكيات الجديدة والجسيمات التي تسبح فيه، وقبل أن يتحدّث العلماء عن وجود المادّة المظلمة والطاقة المظلمة، فكيف استطاعوا ضبط مسار أوّل تحليق «فراغي» في وسط فضائي مجهول؟
وهكذا، فإنّ العلوم الهندسية تبدو متناقضة مع ادّعاء التحليق بالفضاء، وثمة غياب شبه تام للتفكير الناقد في هذه المعضلة. ومرّة ثانية وثالثة، نقول من الغريب أنّ المهندسين وحملة الدكتوراه في المجالات الهندسية ذات الصلة لا يستخدمون الأُسس العلمية التي يَدرسونها ويُدرّسونها في الشككّ العلمي، وينعمون برتابة العيش داخل الصندوق. وهنا أعترف أنّني كنت دائم التساؤل عن موضوع التحليق في الفضاء، ولكنّي كنت أدفع السؤال بلا جواب تحت ضغط ذلك التسليم بتلك الرواية العلمية، وذلك قبل أن أقررّ أن أستفيق من سكرة العلوم الزائفة، وقبل أن أتمرد على الخزعبلات العلمية.
وفي غياب حل لهذه المعضلة «وما سبقها من معضلات الفراغ»، فإنّ الشكّ برواية التحليق في الفضاء هو موقف علمي جاد، وكذلك ما نتج منه من روايات علمية وصل بعضها إلى حدّ استلهام الأساطير كما في الحلقة القادمة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق